غرفة الشاعر PDF – تحليل القصيدة الرومانسية للشاعر علي محمود طه
يقول الشاعر المصري علي محمود طه في قصيدة له بعنوان “غرفة الشاعر”:
1 – أَيُّهَا الشَّاعِرُ الْكَئِيبُ مَضَى اللَّيْـ ـلُ وَمَا زِلْتَ غَارِقاً فِي شُجُونكْ
2 – مُسْلِماً رَأْسَكَ الْحَزِينَ إِلَى الْفِكْـ ـرِ، وَلِلسُّهْدِ ذَابِلَاتِ جُفُونِكْ
3 – وَيَدٌ تَمْسَحُ الْيَرَاعَ وَأُخْرَى في ارْتِعَاشٍ تَمُرُّ فَوْقَ جَبِينِـكْ
4 – وَفَمٌ نَاضِبٌ بِهِ حَرُّ أَنْفَـا سِكَ يَطْغَى عَلَى ضَعِيفِ أَنِينِكْ
* * *
5 – لَسْتَ تُصْغِي لِقَاصِفِ الرَّعْدِ فِي اللَّيْـ لِ وَلَا يَزْدَهِيكَ فِي الْأَبْرَاقِ
6 – قَدْ تَمَشَّى خِلالَ غُرْفَتِكَ الصَّمْــ تُ وَدَبَّ السُّكُونُ فِي الْأَعْـمَاقِ
7 – غَيْرَ هَذَا السِّرَاجِ فِي ضَوْئِهِ الشَّا حِبِ يَهْفُو عَلَيْكَ مِنْ إِشْفَاقِ
8 – وَبَقَايَا النِّيرَانِ فِي الْمَوْقِدِ الذَّا بِلِ تَبْكِي الْحَيَاةَ فِي الْأَرْمَاقِ
* * *
9 – أَنْتَ أَذْبَلْتَ بِالْأَسَى قَلْبَكَ الْغَضْـ ضَ وَحَطَّمْتَ مِنْ رَقِيقِ كِيَانِكْ
10 – آهِ يَا شَاعِرِي لَقَدْ نَصَلَ اللَّيْـ لُ وَمَازِلْتَ سَادِراً فِي مَكَانِكْ
11 – لَيْسَ يَحْنُو الدُّجَى عَلَيْكَ وَلَا يَأْ سَى لِتِلْكَ الدُّمُوعِ فِي أَجْفَانِكْ
12 – مَا وَرَاءَ السُّهَادِ فِي لَيْلِكَ الدَّا جِي، وَهَلَّا فَرَغْتَ مِنْ أَحْزَانِكْ ؟
* * *
13 – فَقُمِ الْآنَ مِنْ مَكَانِكَ وَاغْنَمْ فِي الْكَرَى غَطَّةَ الْخَلِيِّ الطَّرُوبِ
14 – وَالْتَمِسُ فِي الْفِرَاشِ دِفْئاً يُنْسِيـ كَ نَهَارَ الْأَسَى وَلَيْلَ الْخُطُوبِ
15 – لَسْتَ تُجْزَى مِنَ الْحَيَاةِ بِمَا حُمْـ مِلْتَ فِيهَا مِنَ الضَّنَى وَالشُّحُوبِ
16 – إِنَّهَا لِلْمُجُونِ وَالْخَتْلِ وَالزَّيْـ فِ وَلَيْسَتْ لِلشَّاعِرِ الْمَوْهُوب !
ديوان علي محمود طه . دار العودة – بيروت / 1972 . ص : 38-40.
قراءة النص الشعري “غرفة الشاعر” PDF
◄ تمهيد حول الرومانسية العربية
ظهرت الرومانسية العربية في بداية القرن العشرين كرد فعل ضد المدرسة التقليدية التي همشت الذات والعاطفة، بحيث لم يكن من المستساغ الاستمرار في تقليد الشعر العربي القديم في وقت كان فيه المجتمع العربي يحاول الخروج من النفق المظلم الذي فرضته علية السنوات الطويلة من الانحطاط، وقد تضافرت مجموعة من العوامل وساعدت على ظهور الشعر الرومانسي العربي وجعل الذات مصدر الإبداع وبؤرته منها:
- التأثر بأعلام الرومانسية الغربية أمثال لامارتين وفيكتور هيجو وألفريد دي موسيه وتايلور كوليردج.
- معاناة الجيل العربي في تلك الفترة من كبت الحريات ومصادرة الأفكار والتعرض للقمع وهذا ما أثَّرَ على توجه الشاعر العربي الذي انطوى على نفسه وانسحب إلى دنيا الأحلام متقلبا بين اليأس والأمل.
- الرغبة في التجديد عندما ضاق الأدباء ذرعا بالموضوعات القديمة والصور التقليدية وأرادوا التحرر من القيود التي كبلت حرية الشاعر في الإبداع.
وقد بدأت الحركة الرومانسية على صورة مذهب نظري نقدي ثم بعد ذلك جسدها الأدباء في إنتاج شعري، وقد تبلور هذا الاتجاه في كتابين نقديين هما ” الديوان” سنة 1921 لكل من العقاد والمازني وكتاب “الغربال” الذي صدر سنة 1922 لميخائيل نعيمة، بالإضافة إلى مجلة أبولو التي صدرت عام 1932، وانطلاقا من هذا الجانب النظري نشأت عدة تنظيمات أدبية رومانسية أهمها: مدرسة الديوان وجماعة الرابطة القلمية و جماعة أبولو.
ويمكن إجمال المبادئ الرومانسية فيما يلي:
- الثورة على المضامين الشعرية التقليدية وعلى الصياغة اللغوية والبلاغية للشعر القديم.- اعتبار الأدب مجالا للتعبير عن الذات وانفعالاتها وتأملاتها.
- اتخاذ الطبيعة أو الغاب عالما مثاليا ومادة خاما لأعمالهم الأدبية والهروب إليها لصياغة التجارب الشعرية.
- تقديم الخيال وتفضيله على العقل وتقديس النزعة العاطفية.
- البحث عن عالم مثالي تسوده مبادئ العدل والمساواة، ولذلك نجد في أشعارهم كثيرا من مظاهر التعبير عن معاناة الضعفاء ومظاهر القلق والحزن والتفاؤل والتشاؤم.
І- ملاحظة نص غرفة الشاعر
1) صاحب النص:
علي محمود طه: شاعر مصري يلقب بشاعر الحب والجمال. ولد في المنصورة عام 1902 وتوفي بالقاهرة في 17 نوفمبر عام 1949. ولد في أسرة متوسطة الحال والتحق بالكتاب أولاً ثم بالمدرسة الابتدائية. وقبل إتمام دراسته الثانوية التحق بمدرسة الفنون والصنائع وتخرج منها عام 1924. ثم عُين مهندساً معمارياً بالمنصورة وهناك التقى بمجموعة من الأدباء من بينهم إبراهيم ناجي وأحمد حسن الزيات. شرع في نشر شعره منذ عام 1933 وانتقل إلى القاهرة ليعمل مديراً للمعهد الخاص بوزارة التجارة، ثم مديراً لمكتب الوزير بها. قام برحلات كثيرة إلى أوروبا منذ عام 1938 كان لها أثر بالغ على شعره. وقد عُرف بتعلقه بالحياة وإقباله على كل جميل وممتع فيها وعشقه للطبيعة وغرامه بالموسيقى وشعره يعكس ذلك كله.
2) نوعية النص ومصدره:
قصيدة شعرية ذات نظام الشطرين، مأخوذة عن ديوان علي محمود طه دار العودة بيروت 1972 ص 38 – 40.
3) قراءة في العنوان وصياغة الفرضية:
يتشكل العنوان من لفظتين هما “غرفة” و “الشاعر“. وبالتساؤل عما يمكن أن يربط الشاعر بالغرفة، نفترض أن هذا المكان سيكون إما مكانا للراحة أو سجنا للعقاب. لأنه في العادة لا نلتفت إلى الغرفة كمكان، إلا إذا كان هناك إحساس بالوحدة والكآبة أو بالفرح والأمل.
ІІ- فهم نص غرفة الشاعر
أ) الـمضمون العام:
تعبير الشاعر عن معاناته في الغرفة التي يتخذها سكنا و مكانا للإبداع.
ب) مقاطع النص:
يبدأ الشاعر بتوجيه الخطاب إلى نفسه معبرا عن معاناته، فهو يعاني من الكآبة والحزن والسهد، ورغم ذلك فهو يُقبل على الكتابة دون اهتمام بآلامه ولا بقصف الرعود وضوء البروق، ولا بالصمت الذي يلف غرفته والسراج الشاحب الذي يضيئها وبقايا نيران الموقد. ثم ينتقل الشاعر بعد ذلك إلى لوم نفسه متسائلا عما يجعله يستمر في سهاده ويقبل الأسى الذي يملأ قلبه. وليس هناك من يحنو عليه وكان الأولى أن يفرغ من أحزانه. ويغتنم الشاعر فرصة النوم لعله ينسى تعب النهار وسهد الليل، خاصة وأنه مظلوم لم يأخذ ما يستحقه من ملذات الحياة. التي أعطيت لأشخاص لا يستحقونها، مثل الماجن والزائف.
ІІІ- تحليل نص غرفة الشاعر
1) الـمعجم:
حقل الطبيعة | حقل العاطفة |
الليل – الرعد – الأبراق – النيران – الدجى – نهار… | الكئيب – شجون – الحزين – الأسى- قلبك – يحنو… |
2) الصور الشعرية:
لم يعتمد الشاعر أي غرض من الأغراض التقليدية، ولكنه خصص قصيدته للتعبير عن عواطفه وإحساساته مستعينا بالوسائل التقليدية في بناء الصورة الشعرية. ولكن بوظيفة جديدة هي التعبير والانفعال، من هذه الصور نجد:
- الاستعارة (مضى الليل – تمشى خلال غرفتك الصمت).
- الكناية (ويد تمسح اليراع)، كناية عن كتابة الشعر.
وقد استعان الشاعر في بناء هذه الصور الشعرية بعنصر الخيال. مما سمح له بالربط بين عناصر حسية وأخرى مجردة، كما في قوله (قد تمشى خلال غرفتك الصمت).
3) الإيقاع الخارجي:
أَيُّهَا الشَّاعِرُ الْكَئِيبُ مَضَى اللَّيْـ ـلُ وَمَا زِلْتَ غَارِقاً فِي شُجُونكْ
أَيْـيُـهَـشْشَاعِرُ لْـكَـئِيبُ مَضَلْـلَيْـ ـلُ وَمَا زِلْتَ غَارِقَنْ فِي شُجُونكْ
/ 0/ / 0 / 0/ /0//0 // /0 /0 // / 0 /0/ /0/ /0/0/ / 0 /0
فــــاعلاتن متفعلـن فـعـلاتـن فــعلاتـن متـفـعـلن فــاعـلاتـن
من خلال دراستنا للبيت الأول عروضيا، نلاحظ أن الشاعر استخدم نظام الشطرين، وبحرا خليليا هو الخفيف. لكنه في المقابل لم يلتزم بعدد من مظاهر البنية الإيقاعية التقليدية، من ذلك مثلا تخليه عن التصريع في البيت الأول، وعن وحدة القافية والروي.
4) الإيقاع الداخلي:
اعتمد فيه الشلعر أساسا على تكرار بعض الأصوات كالسين في البيت الثاني والميم في البيت 13.
5) الأسلوب:
– غلبت على النص الجمل الخبرية التقريرية، وهذا أمر طبيعي بالنظر إلى غرض التعبير الذي اعتمده الشاعر للحديث عن معاناته. ولكن ذلك لم يمنع من توظيف عدد لا بأس به من الجمل الإنشائية. مثل النداء “أيها الشاعر” والأمر “فقم الآن من مكانك واغنم”. وهي جمل أظهرت الجانب الانفعالي في النص.
– اعتمد الشاعر ضمير المخاطب الذي حل محل ضمير المتكلم (أنت – أيها الشاعر – يا شاعري – لست – والتمس)، فالشاعر يتحدث في النص عن ذاته وإلى ذاته.
ІV- تركيب وتقويم نص غرفة الشاعر
نستطيع أن نخلص مما سبق، أن النص يعكس تجربة التفاعل بين الذات (الشاعر) والطبيعة. ولنقل هذه التجربة تم التوسّل بجملة من الإمكانيات التعبيرية والفنية من قبيل:
- التخلي عن الأغراض التقليدية.
- تخصيص القصيدة لغرض التعبير عن الذات.
- الوحدة الموضوعية.
- حضور الطبيعة في النص بشكل رومانسي.
- توظيف لغة سهلة متداولة.
- وظيفة الصورة الشعرية أصبحت انفعالية تعبيرية.
- التجديد في بعض مظاهر البنية الإيقاعية.
ولا شك أن نصا بهذه الخصائص المضمونية والشكلية يجسد بامتياز انتماءه إلى التجاه الرومانسي، وهذا ليس بغريب أو صعب على “علي محمود طه” الذي يعتبر أحد الأعمدة الكبار لهذا الاتجاه في مصر…
راني ناجح