بنية القصيدة الحداثية – تحليل نص نظري حول تيار تكسير البنية لإبراهيم خليل
تمهيد حول تيار تكسير البنية
لقد قام الشاعر العربي بتكسير بنية الأشكال الشعرية المتوارثة عن القدماء، وبذلك استمر في عملية التجديد والتطوير -التي عرفناها مع المدرسة الرومانسية- استجابة لعدد من الظروف السياسية والاجتماعية والفكرية التي فتحت آفاقا جديدة أمامه. وهكذا انتقل الشعر العربي من مستوى التقليد والرومانسية، إلى مستوى أكثر انفتاحا على بنيات شكلية ولغوية وفكرية جديدة. تجاوز من خلالها البنية الشعرية التقليدية، وعوّضها ببنية شعرية جديدة. تعتمد نظاما لغويا وإيقاعيا مختلفا، يركّز على الانزياح اللغوي والتركيبي، ونظام السطر الشعري والتنويع في القوافي، واستخدام وسائل جديدة في تأليف الصور الشعرية.
قراءة نص “بنية القصيدة الحداثية” PDF
І- ملاحظة نص بنية القصيدة الحداثية
1) صاحب النص:
إبراهيم خليل كاتب وناقد أردني، يعمل محاضرا بالجامعة الأردنية، له عدد من الأعمال والدراسات منها: ”في نقد الشعر“، ”في النقد الأدبي“، ”في التحقيق“، ”في الترجمة“.
2) نوعية النص ومصدره:
نص نظري يعالج بنية القصيدة المعاصرة الحداثية، وهو مأخوذ عن كتاب ”مدخل لدراسة الشعر العربي الحديث“ دار المسير، عمان، ط 1، ص: 317/348 بتصرف.
3) قراءة في العنوان:
يتكون العنوان من ثلاث كلمات تحيل على موضوع النص: فـالبنية هي هيكل النص وهو هنا القصيدة الشعرية، أما الحداثة فهي مصطلح كثرت تعريفاته وتشعبت، ولكن أغلب هذه التعريفات تشير إلى معنى التطوير والتجديد والثورة على السائد سواء من حيث الشكل أو المضمون.
4) الفرضية وطرح الإشكالية:
نفترض انطلاقا من المشيرات السابقة أن الكاتب في النص سيتحدث عن أوجه الحداثة في القصيدة العربية. فإلى أيّ حد استطاع الكاتب تقديم تصور نظري واضح ومتكامل حول القضية المطروحة في النص ؟
ІІ- فهم نص بنية القصيدة الحداثية
أ) القضية العامة الـمطروحة في النص:
إبراز الناقد أهم مظاهر الحداثة في القصيدة العربية الحديثة.
ب) الأفكار الأساسية الـمكوّنة للقضية:
- اهتمام الدارسين بدراسة الشعر الحداثي من حيث الشكل والمضمون.
- القصيدة الحداثية ثورة عروضية التزمت بنظام إيقاعي جديد.
- لغة القصيدة الحداثية سهلة مألوفة وجملها تنحو منحى الحكي.
- اعتماد القصيدة الحداثية الانزياح اللغوي والأسلوبي مما جعلها تتسم بالغموض.
- التزام القصيدة الحداثية بالوحدة سواء كانت موضوعية أو عضوية أو نفسية أو شعورية.
ІІІ- تحليل نص بنية القصيدة الحداثية
1- بنية القصيدة الـحداثية:
- الحداثة في الشعر العربي ظهرت على مستوى الشكل وعلى مستوى المضمون، ولكنها في الجانب الشكلي أكثر بروزا.
- ابتعاد الشعر الحداثي عن الأداء الخطابي لأنه يحول الشعر إلى ما يشبه النثر.
- القصيدة الحداثية قامت بثورة عروضية لأنها بنيت على نظام إيقاعي جديد يتمثل في اعتماد نظام السطر الشعري غير المغلق بالإضافة وتكرار التفعيلات بشكل غير محدد والتنويع في القوافي.
- تعتمد موسيقى الشعر الحديث على مستويين: موسيقى داخلية وهي مطلب اختياري عفوي لا يقصده الشاعر بالضرورة، وموسيقى خارجية تتكون من الوزن والقافية، هي مطلب قسري تفرضه طبيعة النص الشعري.
- لغة القصيدة الحداثية أصبحت مألوفة تراعي المستويات الثقافية المختلفة للقراء، مع تجنب الألفاظ المهجورة والغريبة.
- تركيب الجملة أصبح يعتمد الحذف والزيادة والتقديم والتأخير بالإضافة إلى الاتجاه نحو الجملة المحكية.
- الانزياح الأسلوبي حيث يعمد الشاعر إلى اعتماد طرق غير عادية في توظيف الألفاظ والتراكيب، وهذا الانزياح يجعل القصيدة غامضة تحتاج إلى تأويل.
- لا تعتمد القصيدة الحداثية وحدة البيت التي كانت معروفة في الشعر العربي التقليدي، ولكنها اعتمدت أنواعا أخرى مثل الوحدة الموضوعية والوحدة العضوية والوحدة النفسية.
2- طريقة بناء النص:
يتميز النص من حيث البناء بالانطلاق من العام إلى الخاص أي اعتماد الطريقة الاستنباطية المؤسسة على منطق التسلسل والتدرج، انطلق فيها الكاتب من تقديم فرضية حول الشعر العربي الحديث، ثم انطلق بعد ذلك نحو الشرح والتفسير والتوضيح معتمدا عددا لا بأس به من الحجج والبراهين من أجل الإقناع.
3- أساليب الـحجاج في النص:
- الوصف: “فالأداء الخطابي يقلل من وهج الشعرية في القصيدة ويقربها من النثر الذي يعتمد على التحليل المنطقي والاطراد وتوضيح الفكر…”
- المقارنة: “فإذا قارنا بين هذه القصيدة (يا ليل) وقصيدة (الكوليرا)…” / “فالقدماء كانوا يؤثرون الغريب من اللفظ … أما شعراء الحداثة فقد مالوا إلى استخدام الألفاظ المألوفة…”.
- التفسير: “ومعنى ذلك أن كل بيتيستقل عن غيره بمعناه فلا يتوقف فهمه على فهم ما قبله أو ما بعده”.
- الاستشهاد: بالمقطع الشعري لنازك الملائكة / ببيت الحصري القيرواني / مقطع كمال خير بك الشعري.
- التعريف: “القصيدة أساسا شكل أدبي مادة التعبير فيه وأداته هي اللغة…”
ІV- تركيب وتقويم نص بنية القصيدة الحداثية
نتيجة لما سبق، نستنتج أن النص المدروس يتمحور حول بنية القصيدة الشعرية عند الشعراء المحدثين، وذلك من خلال إبراز الناقد أهم مظاهر الحداثة في القصيدة العربية الحديثة نتيجة للتطور الذي عرفه المجتمع العربي سياسيا وفكريا، فقد تطورت بنية الشعر العربي من حيث الإيقاع واستخدام اللغة والجمل ووسائل الصورة الشعرية وكذلك الموضوعات. وللتعبير عن هذه الأفكار، اعتمد الكاتب الطريقة الاستنباطية في عرض القضية المطروحة، إضافة إلى مجموعة من أساليب الحجاج للدفاع عن موقفه الخاص تجاه القضية المعالجة.
وبذلك يكون الكاتب قد تمكّن من رسم صورة واضحة عن بنية القصيدة الحداثية، وبالتالي في تقديم تصوّر شامل ومتكامل عنها.
bon courage