سؤال الذات في الرومانسية العربية – تحضير النص النظري PDF
نص سؤال الذات في الرومانسية العربية
اِحْتَوَتِ الرُّومَانْسِيَّةُ فِي جَانِبِهَا الْإِيجَابِيِّ ثَوْرَةً عَلَى التَّقْلِيدِيَّةِ فِي الْأَدَبِ وَالْفَنِّ. وَعَلَى الْمَضَامِينِ الَّتِي ابْتَعَثَتْهَا قَوَاعِدُ الْحَيَاةِ فِي مُجْتَمَعٍ مُحَافِظٍ، فَالْاِتِّجَاهُ الرُّومَانْسِيُّ يَنْتَشِرُ عَادَةً فِي الْمُجْتَمَعِ الَّذِي يَبْدَأُ فِي زَحْزَحَةِ الْأُسُسِ الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا بِنَاؤُهُ الْإِجْتِمَاعِيُّ، لِيَأْخُذَ فِي التَّخَلُّصِ مِنْ بَعْضِ الْعَادَاتِ وَالتَّقَالِيدِ وَالْمُثُلِ وَالْقِيمَ وَالشَّرَائِعِ، الَّتِي تَحَجَّرَتْ مَعَ مُرُورِ الزَّمَنِ وَأَصْبَحَتْ تَقِفُ حَائِلًا دُونَ تَطَوُّرِ الْمُجْتَمَعِ وَسَعَادَةِ أَفْرَادِهِ.
وَمَا يُمَيِّزُ الرُّومَانْسِيَّةَ كَأَتِّجَاهٍ أَدَبِيٍّ، هُوَ أَنَّهَا تَجْعَلُ الْفَرْدَ جَدِيرًا بِعِنَايَةِ الْأَدَبِ مِنْ نَاحِيَةٍ، وَتَعْتَبِرُهُ مَنْبَعَ الْقِيَمِ جَمِيعِهَا مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى. وَإِذَا كَانَتِ التَّقْلِيدِيَّةُ فِيمَا مَضَى تُعْنَى بِالْإِنْسَانِ النَّمُوذَجِ، فَإِنَّ الرُّومَانْسِيَّةَ أَخَذَتْ تَحْتَفِلُ بِالْإِنْسَانَ “الْفَرْدِ”، وَاهْتَمَّتْ بِإِبْرَازِ فَرْدِيَّتِهِ وَشَخْصِيَّتِهِ وَالْاِخْتِلَافِ الَّذِي يُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَأَصْبَحَ الْفَنَّانُ الرُّومَانْسِيُّ قَادِرًا عَلَى طَبْعِ أَدَبِهِ بِطَابَعِهِ الْخَاصِّ، بِمَا يُعَبَّرُ عَنْهُ مِنْ عَوَاطِفَ يَدْفَقُ بِهَا قَلْبُهُ، وَصُوَرٍ يَمُوجُ بِهَا خَيَالُهُ، وَبَيْنَمَا كَانَ يُطْلَبُ مِنَ التَّقْلِيدِي أَنْ يَكْبَحَ جِمَاحَ مُخَيِّلَتِهِ، فَإِنَّ الرُّومَانْسِيَّ أَصْبَحَ حُرًّا فِي أَنْ يُطْلِقَ لِخَيَالِهِ الْعِنَانَ، وَأَنْ يَنْطَلِقَ وَرَاءَ اللَّامَحْدُودِ وَالْمُطْلَقِ.
وَلَعَلَّ أَهَمَّ مَا تَنَاوَلَهُ الرُّومَانْسِيُّونَ بِالتَّغْيِيرِ الْمِحْوَرِيِّ هُوَ : مَفْهُومُ الْأَدَبِ، فَقَدِ اسْتَعَاضَ الرُّومَانْسِيُّونَ عَنِ الْمَفْهُومِ الْقَدِيمِ لِلْأَدَبِ كَتَقْلِيدٍ، بِمَفْهُومٍ جَدِيدٍ لِلْأَدَبِ كَتَعْبِيرٍ. وَالتَّعْبِيرُ قَدْ يَكُونُ تَعْبِيرًا عَنْ حَالَةٍ مِنْ حَالَاتِ الْمُجْتَمَعِ أَوْ عَنْ رُوحٍ وَطَنِيَّةٍ؛ لَكِنَّهُ كَانَ مَفْرُوضًا، كَصِفَةٍ مُمَيِّزَةٍ لَهُ، أَنْ يَكُونَ تَعْبِيرًا عَنِ النَّفْسِ، وَعَنْ شَخْصِيَّةِ الْكَاتِبِ، وَتَجْرِبَتِهِ فِي الْعَالَمِ كَمَا عَرَفَهُ أَوْ كَمَا يَرَاهُ. وَهُوَ يَجْعَلُ مِنْ نَفْسِهِ مِقْيَاسَ كُلِّ شَيْءٍ فِي الْوُجُودِ. وَهُوَ فِي حُدُودِ فَنِّهِ يَكْتُبُ مَا يَشَاءُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يَشَاءُ، فَلَا يُلْزِمُ نَفْسَهُ بِقَبُولِ ثَمَرَةِ الْاِخْتِبَارِ الْإِنْسَانِيِّ أَوْ مَا يُسَمَّى بِالْمِيرَاثِ الْعَظِيمِ، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْقِيمِ الَّتِي تَوَاضَعَ النَّاسُ عَلَيْهَا.
وَنَسْتَطِيعُ أَنْ نَجْعَلَ هَذَا الْمَفْهُومَ أَكْثَرَ وُضُوحًا إِذَا مَا قَارَنَّاهُ بِالْمَفْهُومِ الْقَدِيمِ لِلْأَدَبِ حَيْثُ كَانَ يُنْظَرُ إِلَيْهِ كَتَقْلِيدٍ لِلْحَيَاةِ، وَتَمْثِيلٍ لِأَعْمَالِ الْبَشَرِ. رَفَضَ الرُّومَانْسِيُّونَ هَذِهِ النَّظْرَةَ وَطَالَبُوا أَنْ يَكُونَ جَوْهَرَ الْفَنِّ الْأَدَبِيِّ، كَجَوْهَرِ الْحَيَاةِ عِنْدَهُمْ، هُوَ التَّعْبِيرُ عَنِ النَّفْسِ، لِأَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالْعَبْقَرِيَّةِ الْفَرْدِيَّةِ، وَالْقُدْرَاتِ الْفَرْدِيَّةِ، وَالْمَصْلَحَةِ الْفَرْدِيَّةِ. وَيَرَوْنَ أَنَّ الْفَرْدَ أَقْدَرُ عَلَى إِفَادَةِ الْمُجْتَمَعِ وَهُوَ يَسْعَى إِلَى مَصْلَحَتِهِ الشَّخْصِيَّةِ. حَتَّى غَدَتْ صَيْحَتُهُمُ الْمُدَوِّيَّةُ : “ثِقْ بِعَبْقَرِيَّتِكَ”، وَانْطَلِقْ مُتَحَرِّرًا مِنْ كُلِّ قَيْدٍ، وَجَدِّدْ مَا شَاءَ لَكَ التَّجْدِيدُ، وَعَبِّرْ عَنْ نَفْسِكَ وَحْدَكَ مَا شَاءَ لَكَ التَّعْبِيرُ.
وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْأَدَبُ الرُّومَانْسِيُّ أَدَبًا ذَاتِيًا فَرْدِيًا، لِأَنَّ الْكَاتِبَ يُعَبِّرُ فِيهِ عَنْ شَخْصِيَّتِهِ وَفَرْدِيَّتِهِ وَذَاتِيَّتِهِ بِحُرِّيَّةٍ؛ وَلِأَنَّ مَادَّتَهُ مُسْتَقَاةٌ مِنْ فِكْرَةِ الْكَاتِبِ الشَّخْصِيَّةِ عَنِ الْحَيَاةِ. فَلَيْسَ غَرِيبًا بَعْدَئِذٍ أَنْ نَجِدَ الرُّومَانْسِيِّينَ يُطْلِقُونَ الْعِنَانَ لِإِحْسَاسِهِ الْفَرْدِيِّ، وَأَنْ يَكُونُوا ذَاتِيِّينَ.
مَوْضُوعَاتُ الْأَدَبِ الرُّومَانْسِيِّ هِيَ الْأُخْرَى تَدُورُ فِي دَائِرَةٍ مَرْكَزُهَا “الْأَنَا” وَ “الذَّاتُ”، وَيَغْلُبُ عَلَيْهَا الطَّابَعُ الْفَرْدِيُّ؛ وَلِأَنَّهَا قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ تَعْبِيرٌ عَنِ الْمِزَاجِ الشَّخْصِيِّ البَحْتِ، لِهَذَا فَشِلَتْ فِي تَبَنِّي الْفُنُونِ الْمَوْضُوعِيَّةِ، وَكَانَ الشَّعْرُ الْغِنَائِيُّ هُوَ فَنَّهَا الْأَوَّلَ. حَيْثَ تَخِفُّ حِدَّةُ الْمَلَكَاتِ الْاِسْتِدْلَالِيَّةِ أَوْ تَخْتَفِي، وَيَنْعَدِمُ الاسْتِدْلَالُ الْبُرْهَانِيُّ مِنْ نَاحِيَةٍ، وَيَزْدَهِرُ الْاِنْفِعَالُ وَالْقُوَّةُ الشَّاعِرِيَّةُ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى.
لَكِنَّ أَعْظَمَ مَوْضُوعٍ تَنَاوَلَهُ الرُّومَانْسِيُّونَ جَمِيعًا هُوَ بِلَا شَكٍّ “الْحُبُّ”، فَالْحُبُّ أَعْمَقُ الْعَوَاطِفِ الْإِنْسَانِيَّةِ جُذُورًا فِي الْكِيَانِ النَّفْسِيِّ، وَأَقْرَبُهَا إِلَى غَرِيزَةِ التَّعْبِيرِ عَنِ النَّفْسِ، وَتَحْقِيقِ الذَّاتِ وَإِثْبَاتِهَا، وَالْاِعْتِدَادِ بِالْفَرْدِ وَحُقُوقِهِ فِي وَجْهِ الْمُجْتَمَعِ وَنُظُمِهِ. وَالْأَدَبُ الرُّومَانْسِيُّ إِذَا تَحَدَّثَ عَنِ الْحُبِّ، لَا يَتَكَلَّمُ عَنِ الْحُبِّ الَّذِي يُحِسُّهُ سَائِرُ النَّاسِ وَتِلْكَ الْعَاطِفَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي يَعْرِفُهَا الْقَلْبُ الْإِنْسَانِيُّ الْعَادِيُّ بَلْ إِنَّهُ يُعَبِّرُ عَنِ الْحُبِّ كَمَا يَفْهَمُهُ هُوَ نَفْسُهُ بِتَمَايُزٍ وَتَفَرُّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحِبُّ كَسَائِرِ النَّاسِ، بَلْ يُحِبُّ عَلَى طَرِيقَةِ أَفْلَاَطُونَ.
وَقَدْ صَادَفَ الْاتِّجَاهُ الرُّومَانْسِيُّ هَوَنْ فِي نُفُوسِ الشُّعَرَاءِ الْعَرَبِ أَوَائِلَ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ وَطِوَالَ الْعِشْرِينِيَّاتِ مِنْهُ، خَاصَّةً بَعْدَ تَرْجَمَةِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ الرُّومَانْسِيَّةِ الْغَرْبِيَّةِ. وَيَجِبُّ أَنْ نَضَعَ فِي اعْتِبَارِنَا طَبِيعَةَ الشِّعْرَ الْعَرَبِيِّ، وَهُوَ الْفَنُّ الْأَسَاسِيُّ فِي الْبِيئَةِ الْعَرَبِيَّةِ مُنْذُ الْعَصْرِ الْجَاهِلِيِّ، وَهِيَ طَبِيعَةٌ غِنَائِيَّةٌ قَرِيبَةٌ مِنَ الرُّومَانْسِيَّةِ. فَالْاِسْتِعْدَادُ لَتَقَبُّلِ الرُّومَانْسِيَّةِ كَامِنٌ وَمَوْجُودٌ.
وَقَدْ وُلِدَتْ جَمَاعَةُ (أَبُّولُو) فِي الثَّلَاثِينِيَّاتِ مِنَ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ انْطِلَاقًا مِنْ تَبَنِّي أُسُسِ الْاِتِّجَاهِ الرُّومَانْسِيِّ، وَضَمَّتْ شَبَابَ الشُّعَرَاءِ الْمَوْهُوبِينَ وَكُهُولَ الْأُدَبَاءِ السَّاخِطِينَ عَلَى التَّقَالِيدِ الْأَدَبِيَّةِ الْجَارِيَةِ، وَأَصْدَرَتْ مَجَلَّتَهَا (مَجَلَّةَ أَبُّولُو) فِي سِبْتَمْبَرَ أَلْفٍ وتِسْعُمِئَةٍ وَاِثْنَانِ وثَلَاثِينَ 1932، وَالَّتِي ظَلَّ يَتَوَافَدُ عَلَيْهَا فِي كُلِّ عَامٍ رَهْطٌ مِنَ الشُّعَرَاءِ الرُّومَانْسِيِّينَ الَّذِينَ يَتَمَرَّدُونَ عَلَى شُعَرَاءِ التَّقْلِيدِ، وَيَلْتَفُّونَ حَوْلَ مَبْدَإِ الْحُرِّيَّةِ، وَالطَّلَاقَةِ، وَيَسْتَهْدِفُونَ الْإِعْرَابَ عَنْ نَوَازِعِهِمْ وَخَلَجَاتِ نُفُوسِهِمْ فِي شِعْرٍ دَافِقِ الْعَاطِفِيَّةِ، مُحَرِّكُهُ الْأَوَّلُ الْحَمَاسَةُ، وَقِوَامُهُ الْوِجْدَانُ. لَقَدْ كَانَ الشِّعْرُ الَّذِي صَدَرَ عَنْ جَمَاعَةِ (أَبُّولُو) ، [ فَضْلاً عَنْ جَمَاعَةِ الرَّابِطَةِ الْقَلَمِيَّةِ وَجَمَاعَةِ الدِّيوَانِ ] شِعْراً رُومَانْسِيًّا فِي مُحْتَوَاهُ الْفَنِّيِّ، وَطَرِيقَةِ بِنَائِهِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ. وَتَمَثَّلَ ذَلِكَ فِي قَصَائِدِ عَلِيٍّ مَحْمُودٍ طَهَ، وَإِبْرَاهِيمَ نَاجِي، وَجَبْرَانَ، وَشُكْرِي.
وَبِهَذَا أَصْبَحَ الشُّعَرَاءُ الرُّومَانْسِيُّونَ الْعَرَبُ يَمِيلُونَ إِلَى كُلِّ مَا هُوَ عَاطِفِيٌّ، وِجْدَانِيٌّ، شُعُورِيٌّ، خَيَالِيٌّ، وَكَانَ هَذَا هُوَ مَطْلَبَ الْمَرْحَلَةِ التَّارِيخِيَّةِ وَطَابَعَهَا فِي آنٍ مَعًا. وَأَغْلَبُ الظَّنِّ، أَنَّ مُعْظَمَ الَّذِينَ عَكَسُوا الرُّومَانْسِيَّةَ فِي شِعْرِهِمْ كَانُوا يَحْفِلُونَ بِقَضَايَاهُمْ الشَّخْصِيَّةِ. وَيَلْجَأُونَ إِلَى صُرُوحِ الْخَيَالِ يَبْنُونَ فِيهَا عَوَالِمَ سِحْرِيَّةً مِنَ الْجَمَالِ النُّورَانِي، وَيَحْلُمُونَ أَحْلَامَهُمُ البَرَّاقَةَ، وَيَنْسُجُونَ دُنْيَا غَرِيبَةً مِثَالِيَّةً مِنَ الرُّؤَى الْعَجِيبَةِ. وَقَدْ يَجِدُونَ أَلَمَهُمْ وَعَذَابَهُمْ فِي الْحُبِّ، وَيَوَدُّونَ أَنْ يَفْنَوْا فِي مَوْتٍ مُرِيحٍ تَارَةً، وَطَوْراً يَقْصِدُونَ الطَّبِيعَةَ، يَبُثُّونَهَا أَوْجَاعَهُمْ، وَيُنَاجُونَ عَنَاصِرَهَا، وَيَرَوْنَ فِي نَخِيلِهَا وَأَكْوَاخِهَا مَوْئِلًا يَحْمِيهِمْ مِنْ كُلِّ ما يُحِيطُ بِهِمْ كَمَا كَانُوا يَتَوَهَّمُونَ أَوْ يَتَصَوَّرُونَ. غَيْرَ أَنَّ الْإِطَارَ الْعَامَّ الَّذِي دَارَ فِي فَلَكِهِ الشِّعْرُ الرُّومَانْسِيُّ الْعَرَبِيُّ هُوَ التَّصْوِيرُ الْحَادُّ لِعَاطِفَةِ الْحُبِّ، وَالتَّعْبِيرُ عَنْ أَحَاسِيسَ فَرْدِيَّةٍ خَالِصَةٍ. وَقَدْ ظَهَرَتْ فِي الْفَتْرَةِ مِنْ أَلْفٍ وتِسْعُمِئَةٍ وَثَلَاثَةٍ وثَلَاثِينَ 1933 إِلَى مَا قَبْلَ قِيَامِ الْحَرْبِ الْعَالَمِيَّةِ الثَّانِيَةِ بِقَلِيلٍ مَجْمُوعَاتٌ كَثِيرَةٌ مِنْ دَوَاوِينِ الشِّعْرِ الرُّومَانْسِيِّ الْخَالِصِ.
سيد حامد النساج: “في الرومانسية والواقعية”، دار غريب للطباعة، للطباعة، القاهرة، (بدون تاريخ)، ص: 9-62 (بتصرف).
تمهيد حول الرومانسية العربية
ظهرت الرومانسية العربية في بداية القرن العشرين كرد فعل ضد المدرسة التقليدية التي همشت الذات والعاطفة، بحيث لم يكن من المستساغ الاستمرار في تقليد الشعر العربي القديم في وقت كان فيه المجتمع العربي يحاول الخروج من النفق المظلم الذي فرضته علية السنوات الطويلة من الانحطاط. وقد تضافرت مجموعة من العوامل وساعدت على ظهور الشعر الرومانسي العربي وجعل الذات مصدر الإبداع وبؤرته منها:
- التأثر بأعلام الرومانسية الغربية أمثال لامارتين وفيكتور هيجو وألفريد دي موسيه وتايلور كوليردج.
- معاناة الجيل العربي في تلك الفترة من كبت الحريات ومصادرة الأفكار والتعرض للقمع وهذا ما أثَّرَ على توجه الشاعر العربي الذي انطوى على نفسه وانسحب إلى دنيا الأحلام متقلبا بين اليأس والأمل.
- الرغبة في التجديد عندما ضاق الأدباء ذرعا بالموضوعات القديمة والصور التقليدية وأرادوا التحرر من القيود التي كبلت حرية الشاعر في الإبداع .
و قد بدأت الحركة الرومانسية على صورة مذهب نظري نقدي ثم بعد ذلك جسدها الأدباء في إنتاج شعري، وقد تبلور هذا الاتجاه في كتابين نقديين هما ” الديوان” سنة 1921 لكل من العقاد والمازني وكتاب “الغربال” الذي صدر سنة 1922 لميخائيل نعيمة، بالإضافة إلى مجلة أبولو التي صدرت عام 1932، وانطلاقا من هذا الجانب النظري نشأت عدة تنظيمات أدبية رومانسية أهمها: مدرسة الديوان وجماعة الرابطة القلمية و جماعة أبولو.
ويمكن إجمال المبادئ الرومانسية فيما يلي:
- الثورة على المضامين الشعرية التقليدية وعلى الصياغة اللغوية والبلاغية للشعر القديم.
- اعتبار الأدب مجالا للتعبير عن الذات وانفعالاتها وتأملاتها.
- اتخاذ الطبيعة أو الغاب عالما مثاليا ومادة خاما لأعمالهم الأدبية والهروب إليها لصياغة التجارب الشعرية.
- تقديم الخيال وتفضيله على العقل وتقديس النزعة العاطفية .
- البحث عن عالم مثالي تسوده مبادئ العدل والمساواة، ولذلك نجد في أشعارهم كثيرا من مظاهر التعبير عن معاناة الضعفاء ومظاهر القلق والحزن والتفاؤل والتشاؤم.
قراءة نص “سؤال الذات في الرومانسية العربية” PDF :
Ι- ملاحظة نص سؤال الذات في الرومانسية العربية
1- تأطير النص:
سيد حامد النساج باحث وناقد مصري توزعت اهتماماته بين الشعر والقصة والرواية والنقد الأدبي، من مؤلفاته “الأدب العربي المعاصر في المغرب الأقصى” و ”بانوراما الرواية العربية“ و ”في الرومانسية والواقعية” مصدر هذا النص.
2- دلالة عنوان النص:
يحيل العنوان على حركة شعرية جاءت كرد فعل ضد المدرسة التقليدية التي همشت الذات والعاطفة، لتجعل الذات مصدر الإبداع وبؤرته.
3- فرضية وإشكالية النص:
تضمن عنوان هذا النص مصطلحين أساسين هما: “الذات” و “الرومانسية العربية”، وبالتأمل فيهما يمكن أن نضع فرضية لما عالجه النص من قضايا، كأن نقول مثلا: ما الموقع الذي تأخذه الذات في الشعر الرومانسي العربي ؟ وما تجلياتها ؟ وهل هناك مبادئ أخرى تشكل أساس هذه المدرسة ؟
ΙΙ- فهم نص سؤال الذات في الرومانسية العربية
أ) القضية العامة الـمطروحة في النص:
تعريف الكاتب بأهم مبادئ المدرسة الرومانسية العربية وبخاصة منها مبدأ الذاتية.
ب) الأفكار الأساسية الـمكوّنة للقضية:
- تأكيد الكاتب أن الوجه الإيجابي للمدرسة الرومانسية يكمن في كونها ثورة على التقليد.
- الاهتمام بالفرد هو ما يميز المدرسة الرومانسية كاتجاه أدبي.
- مفهوم الأدب عند الرومانسيين هو التعبير عن الذات وما يرتبط بها.
- تركيز موضوعات الرومانسية على الذات والحب.
- تاريخ ظهور الرومانسية العربية وأهم المدارس التي تبنته.
- لجوء الرومانسيين إلى الخيال والطبيعة كبدائل عن الواقع.
ΙΙΙ- تحليل نص سؤال الذات في الرومانسية العربية
1- ركز الدارس في هذا النص على الرومانسية العربية و حضور الذات الفردية فيها، وكيف أن هذه المدرسة بنيت على أنقاض مدرسة التقليد فغيرت مفهوم الأدب كما غيرت وظيفته:
- المدرسة التقليدية: الأدب محاكاة و تقليد – وظيفة الأدب توجيهية إرشادية وصفية وجمالية أحيانا.
- المدرسة الرومانسية: الرومانسية تعبير عن الأنا و الذات – وظيفة الأدب تعبيرية انفعالية.
2- أشار الدارس إلى مجموعة من المبادئ الراسخة في الشعر الرومانسي لأنها مرتبطة بفكرة العالم المثالي الذي يؤمنون به وهي:
- الذات: باعتبارها محور الشعر الرومانسي.
- الخيال: لأن الشاعر الرومانسي لا يعتمد العقل والبرهنة والاستدلال، ولكنه يعتمد الخيال الجامح والفكرة المتخيلة.
- الهروب إلى الطبيعة: باعتبارها العالم المثالي الذي يقصده الشعراء هروبا من عالم الناس الشرير.
- الحب أو العاطفة بصفة عامة: وهي عنصر أساسي في التعبير الرومانسي.
3- اعتمد الكاتب في نصه منهجا استنباطيا حيث بدأ بتصور عام حول الشعر الرومانسي المحتفي بالذات و الأنا، ثم انطلق بعد ذلك إلى التفسير والشرح و إعطاء الأمثلة.
ΙV- تركيب وتقويم النص
قدم لنا هذا النص النظري فكرة واضحة عن المدرسة الرومانسية العربية وعن أهم المبادئ والخصائص التي تميزت بها، كما أشار إلى بعض الجماعات الرومانسية العربية مثل الديوان والرابطة القلمية وأبولو.
طوب خويا