منهجيات

لعبة الوهم والحقيقة – منهجية تحليل نص مسرحي PDF


اُكتب موضوعا إنشائيا متكاملا تحلّل فيه هذا النص، موظفا مختلف مكتسباتك المعرفية والمنهجية واللغوية، مع الاسترشاد بالمطالب التالية:

  • صياغة مقدمة مناسبة للنص، مع وضع فرضية لقراءته.
  • تلخيص مضامين المسرحية.
  • دراسة الخصائص الفنية للمسرحية (البنية السردية، القوى الفاعلة، البنية العاملية، الصراع الدرامي، الحوار. المكان والزمان، الإرشادات الـمسرحية، الأسلوب، الرهان)، وبيان وظائفها.
  • تركيب نتائج التحليل، وبيان مدى تمثيل النص لخصائص فنّ المسرحية.

الـمسرحية فنّ نثري يقوم على عنصرين أساسيين: النص والعرض. يجسد أحداثها ممثلون على الخشبة أمام جمهور، ويشكل الصراع الدرامي والبناء الفني أهم مقوماتها الفنية. وإذا كان المسرح قديم قدم الحضارة الإنسانية، فإنه لم ينشأ في العالم العربي إلا بعد منتصف القرن التاسع عشر. على يد رواد المسرح العربي الأوائل، أمثال: مارون النقاش وأبي خليل قباني ويعقوب صنوع وغيرهم. في ظل سياق التحولات الاجتماعية التي شهدها الوطن العربي. ونتيجة الاحتكاك الثقافي والتأثر بأعمال رواد الغرب في مجال المسرح أمثال: وليام شكسبير وموليير وبرنارشو وغيرهم… ومنذ ذلك الوقت سعى المسرحيون العرب إلى تأصيل مسرح عربي يستجيب لتطلعات الجمهور. فظهرت بذلك تجارب مسرحية عربية متعددة، تأتي نظرية الـمسرح الاحتفالي في مقدمتها.

وتعتبر مسرحية “لعبة الوهم والحقيقة” لعبد الكريم برشید مثالا حيّاً لهذا الفنّ النثري. ومن خلال ملاحظتنا للشكل الطباعي للنص والـممّيز بتواتر مجموعة من العلامات (عوارض) تتكرر في بداية الأسطر. وبِقراءتنا للعنوان الذي يُحيل على التسلية والترفيه بين الخيال والواقع. وبالنظر إلى صاحب النص عبد الكريم برشيد وهو رائد الاحتفالية بالمغرب. أمكننا الافتراض أنّ النص الذي بين أيدينا نص مسرحي احتفالي يدور حول موضوع يتداخل فيه الواقع بالخيال.

فما الحدث الرئيسي الذي يدور حوله موضوع هذا العرض الـمسرحي ؟ وما الخصائص الفنية الـمعتمدة في النص ؟ وما هي رهانات الكاتب في النص ؟ وإلى أي حدّ استطاع فيه صاحبه تجسيد مقوّمات وخصائص هذا الفن النثري ؟


تدورأحداث هذه الـمسرحية حول مجموعة من الممثلين الخاضعين لاختبار قدراتهم ومهاراتهم في التمثيل أمام مخرج، من أجل توقيع عقد. وفي انتظار التحقق من مستوى أدائهم بعد وصول المخرج، دخل الممثلون في لعبة التمثيل وارتجال الأدوار ضمن لعبة. نشأت على إثرها مشاهد مسرحية في غاية الاتقان، بحيث يصعب التمييز فيها بين التمثيل والواقع. مما جعل الـمخرج يتفاجأ ويختلط عليه الوهم بالحقيقة، محاولا دفعهم بين الفينة والأخرى إلى نسيان أدوارهم خوفا من افتضاح أمره. معبرا عن اقتناعه بكفاءتهم في التمثيل وبراعتهم فيه.

وقد انتظمت هذه الأحداث وفق بنية سردية، تتشكل من بداية ووسط ونهاية تسير وفق تسلسل زمني ومنطقي. ويـمكن لنا تقطيع النص إلى متوالياته الكبرى وفق خطاطته السردية على الشكل الآتي:

الوضعية الأولية: ويمثلها المقطع الأول، حيث يطلب عطيل من ذاكرته أن تسعفه على التذكر والتعرف على شخصية الـمخرج.

سيروارت التحول: التي تبتدئ بحدث طارئ، متمثل في خوف الـمخرج من نظرات الـمجموعة إليه، وإفصاحه على أنه هو الـمخرج. وتنتج عن هذا الحدث الـمخل أحداث تتطور وتتأزم شيئا فشيئا متمثلة في:

  • اتهام عطيل الـمخرج بأن مهمة الإخراج لا تناسبه.
  • محاولة الـمخرج الدفاع عن موهبته.
  • عرض مشهد مسرحي من قبل المجموعة محاولين إيهام المخرج بواعية شخصياتهم وبحقيقة المشهد المجسد. فكانت النتيجة / الحل: اقتناع المخرج بموهبتهم في التمثيل خوفا من افتضاح أمره.

الوضعية النهائية: وتبرز من خلال تصديق الـمجموعة للمخرج باقتناعه ببراعتهم وقدراتهم في التمثيل. وهي وضعية اتسمت بعودة الهدوء والاستقرار مرة أخرى.

ويظهر من خلال هذه البنية السردية للنص أنه يجسد حدثا رئيسا. يتمثل في الصراع من أجل إثبات الذات وانتزاع الاعتراف بالكفاءة والإبداع. وذلك من خلال لعبة يتمازج فيها الوهم بالحقيقة أو الحياة بالتمثيل. وعلى أساس الالتباس بينهما، تقوم كل الأفعال والأحداث في الـمسرحية. بحيث نلاحظ أن كل شخصية لا تتوقف عن لعبة التحول بشكل يذوب معه مفهوم الشخصية نفسه. ويتعذر مع هذا التحول التمييز بين الواقعي والمتخيل.

وقد شخصت هذا الحدث الـمسرحي قوى فاعلة تمثل نـماذج إنسانية خاصة، كما تحمل في طياتها مواقف متباينة. ويـمكن لنا أن نبرزها على النحو الآتي: شخصيات تدافع عن موهبتها وبراعتها في التمثيل (عطيل، شہریار، البوهو، ربيع، السيد غموض). وشخصية مقابلة تشكك في كفاءة الـمجموعة لكنها تدعن في النهاية إلى الواقع (الـمخرج). كما يـمكن لنا أيضا أن نبرز أهم صفاتها وسماتها من خلال ما تم بينها من حوار وفق الأتي:

  • عُطَيْل: ممثل بارع، ذكي، فَطِن، شجاع، مبادر، جريء. يحاول إقناع الـمخرج بكفاءة الـمجموعة (يوحي اسمه بالطابع العالمي فهو بطل من أبطال شكسبير).
  • الْمُخْرِج: مخرج في مجال التمثيل، عنيد، صارم، يخفي شخصيته الحقيقية، صاحب ملايين، انتهازي، مستغل لجهود الممثلين، معترف بكفاءة الـممثلين اضطرارا.
  • شَهْرَیَار: ممثل، شجاع، مندفع، يعارض الـمخرج (يرتبط هذا الاسم بالتراث الحكائي القديم / بطل حكايات ألف ليلة وليلة ).
  • رَبِيع: ممثل، محبط، يحس بالانهزام، جريء في محاولته إثبات الذات، يدفع الـمخرج إلى الاعتراف بموهبة الـمجموعة.
  • السيد غموض: ممثل، باهت الحضور، قليل الكلام والتدخل، يستطيع الارتجال وإقناع الـمخرج.

وفيما يخص البنية العاملية، فيمكن إبراز وظائف مكوناتها من خلال النموذج العاملي الأتي:

البنية العاملية لمسرحية لعبة الوهم والحقيقة

وتربط بين ثنائيات هذه البنية علاقات مختلفة. فبين الذات والـموضوع علاقة رغبة؛ إذ ترغب جماعة الـممثلين في إثبات ذواتهم وانتزاع الاعتراف بكفاءتهم. وبين الـمساعد والـمعاكس علاقة صراع؛ فالأول ساعد الـممثلين في تحقيق رغبتهم بينما كان الـمعاكس حاجزا يقف أمام رغبة الذات. وبين الـمرسل والـمرسل إليه علاقة تواصل.

ومن شأن هذه المواقف المتباينة أن تكشف لنا عن مستوى الصراع الدرامي في النص. والناجم عن عمق التباين والاختلاف وتباعد وجهات النظر بين جماعة الممثلين. التي تسعى للدفاع عن موهبتها في التمثيل وقناعاتها الفكرية والأخلاقية، وإثبات الذات وانتزاع الاعتراف بالكفاءة وتحسين وضعها الاجتماعي. والـمخرج الذي ينكر موهبتهم، ويتجاهل مقدرتهم، و يستغل جهودهم. فتعارض الرغبتين وتـميز الـمواقف بالطابع الجدلي (الوهم / الحقيقة) سيؤدي حتما إلى احتدام الصراع الدرامي. والذي اتخذ طابعا قيميا وفكريا.

أما بخصوص طبيعة الحوار الدائر بين الشخصيات، فنلاحظ أن الحوار الخارجي أكثر هيمنة في النص. وهو الذي يدور بين شخصيات النص. ولا نقف عند الداخلي إلا في قول المخرج: “كل ذلك لم يكن إلا تمثيلا وأنا من ظننت أمري قد افتضح”. وقد أدّى الحوار في النص وظيفة الإخبار والمساهمة في تنامي الأحداث وتفاعلها. وكذا الكشف عن مواقف الشخصيات وملامحها النفسية والفكرية والاجتماعية. دون أن ننسى دوره المركزي في بناء الصراع الدرامي والإشارة إلى فضاء الأحداث.

يدور الحدث المسرحي فوق الركح داخل البناية المخصصة للعرض. ونصادف مكانا آخر من هذا الفضاء وهو القفص الذي وضع فيه المخرج. والملاحظ أن الفضاء في مجمله فضاء مغلق و محدود، تحده أسوار البناية. أما بخصوص الزمان، فلا نقف على أي مشير زمني يدل على زمن وقوع الأحداث. وإذا ما حاولنا أن نفترض المدة الزمنية التي وقع فيها التمثيل والارتجال وحتی التعاقد، فإننا سنسمها بالقصيرة. ذلك أن الأحداث كانت متسارعة لأن المخرج سرعان ما اقتنع. بل أراد أن ينهي هذه اللعبة في أسرع وقت، خوفا من الاضطراب وفقدان التحكم في الذات.

إذا كان الحوار قد كشف لنا عن نفسيات ومواقف الشخصيات. فإن الإرشادات المسرحية ساهمت في إضاءة هذه الأحداث وبيان هيئات الشخصيات. وهي كل تلك العبارات الواردة بين قوسين في النص. وغالبا ما تشير إلى وضعيات جسدية، أو حالات نفسية، أو حركات، أو نبرات أصوات وغيرها. وبذلك تضطلع بوظيفة مساعدة الممثلين في نقل النص من صورته اللغوية إلى شكله التمثيلي، وتمثل أحداثه بشكل واضح. ويحفل النص بالعديد من هذه الإرشادات على اختلاف طبيعتها. نذكر على سبيل التمثيل (لنفسه)، (يحاول أن يتذكر)، (يقف الجميع ويأخذون في التصفيق له) ….

وبالنظر إلى جانب الأسلوب في النص، فإننا نلاحظ حضورا مهيمنا للأساليب الإنشائية. متمثلة في: أسلوب الاستفهام سواء الحقيقي منه “ألم تقتنع بعد ؟”، أو الاستنكاري الذي يفيد الاستهزاء “إنسان ؟؟”. وأسلوب الأمر “اختر لك غيره”. وأسلوب النداء “رأيتك يوما یا رجل”، “يا سيدي”. أما الأسلوب الخبري فقد ارتبط بالإرشادات المسرحية وبعض المقاطع الحوارية، التي اهتمت بذكر معلومات أو تفاصيل تتعلق بالشخصيات والمخرج.

ولقد راهن عبد الكريم برشيد من خلال نصه هذا، على أن يقدم لنا تطبيقا إبداعيا لنظرية المسرح الاحتفالي. ففسح المجال لتقنية المسرح داخل المسرح من خلال الحوار الدائر بين الممثلين والمخرج. ومن خلاله سعى إلى إثارة الانتباه إلى ما يعيشه الإنسان المثقف المبدع بصفة عامة، والفنان في مجال التمثيل بصفة خاصة. من إنكار لمواهبه وتجاهل لكفاءته، حيث يظل يواجه قوی تتسم بالسلطة والانتهازية والاستغلال.

وختاما، يمكن القول إنّ هذه المسرحية تُجسّد موضوعا يتمثّل في الصراع بين مجموعة من الممثلين والمخرج. واختلاف تصوراتهم حول التمثيل والارتجال. وقد جسدت مشاهد هذه المسرحية عدة شخصيات، تمتح أسماءَها من روافد عالمية وعربية ومحلية داخل فضاء محدود ومغلق. نتج عن الاختلاف بين شخصياته صراع درامي محتدم، أتاح للنص قوة ومتعة. كما كان للحوار دوره الأساس في بيان مواقف ونفسيات شخوص النص. وعليه فلقد راهن صاحبه على إثارة الانتباه إلى قضية فنية تشغل بال كل المهتمين بالمسرح.

وبهذا فإن النص قد نجح إلى حد كبير في تمثيل مقومات وخصائص فنّ المسرحية. وهذا ليس بِعصيّ على الكاتب عبد الكريم برشيد الذي عُرِف خصيصا بهذا الشكل من الكتابة المسرحية. شأنه في ذلك شأن مسرحيين آخرين أعطوا لفن المسرح هويته باستدعاء التراث العربي الثقافي والفني، وتوظيفه لخدمة الواقع والحاضر.


One thought on “لعبة الوهم والحقيقة – منهجية تحليل نص مسرحي PDF

  • غير معروف

    شرح مبسط

    Reply

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: هذا المحتوى محمي من النسخ !!