مؤلفات

ملخص الفصل الثالث PDF تجربة الحياة والموت – ظاهرة الشعر الحديث

تجربة الحياة والموت، تجربة حاول الشاعر العربي من خلالها أن يتجاوز اليأس والغربة والموت إلى الحياة، من خلال إيمانه المطلق بضرورة الولادة والتجدد والبعث. لأن الموت في نظره ليس سوى معبر نمر عليه إلى الحياة، والإنسان في جدل دائم بين حياته وموته بين بدايته ونهايته. بهذا المعنى تصبح مهمة الشاعر ورسالته أشبه بمهمة البطل أو النبي، فهو مطالب بأن يحيل إحساسنا بالموت إلى إحساس بالحياة؛ أي أنّ عليه أن يوجد حياة كاملة من العدم. من هنا التجأ الشاعر إلى توظيف الأساطير ذات العلاقة بالبعث. فوظف أسطورة تموز الذي اعتاد النزول كل شتاء إلى العالم السفلي (عالم الموت)، فتلحق به عشتار على أن يكون بعثهما قبيل الربيع. وأوروفيوس الذي استطاع بأنغامه أن يقهر الوحوش، فأطلقوا سراح حبيبته أوريديس من براثن الموت. وصقر قريش الذي شق قبره، وألقى موته وطار. وطائر الفنيق الذي يتجدد من رماده. ومهيار الذي مات لينهي عهد الموت.



وباستخدام كل هذه الأساطير التي لها علاقة بالبعث والتجدد، صار بإمكان الشاعر العربي الحديث أن يُحدّث الناس عن إمكانية التجدد والولادة بعد الموت. ومن أمثلة هؤلاء الشعراء نذكر على سبيل المثال:


لقد آمن أدونيس بإمكانية بعث الأمة العربية وتجددها، من خلال مفهوم التحول. الذي اكتشفه عبر مراحل ثلاث: مرحلة التساؤل عن الطريقة التي ستعيد للأمة حياتها «من أين كيف أوقض النيام»، ثم البحث «أبحث في مملكة الرماد عن وجهك المدفون يا بلادي»، وأخيرا الاكتشاف؛ اكتشاف التحول الذي يضمن للطبيعة الدوام والتجدد. ويقصد به تلك اللحظة الزمنية التي يموت فيها وجود قائم بذاته، ليحل محله وجود آخر.

غير أن المجاطي يرى أنه لم يوفق دائما في تطبيق مبدأ التحول في أشعاره، بحيث وفق حين كان التحول من الموت يتم بطريقة مقنعة غير فجائية، كما في “الرأس والنهر” وقصيدة “تيمور ومهيار”. ففي القصيدة الأولى يقول: «نبتت زهرة على الضفة الأخرى بموتي»، وهذا شيء منطقي لأن التضحية بالنفس سبيل الأمة نحو الحياة. أما في القصيدة الثانية فنجد تيمور وهو رمز الاستعباد والموت، يحاول التخلص من مهيار رمز الشعب. وفي كل مرة نجد مهيار يصنع لنفسه حياة جديدة بقوة إرادته في أن يستمر حيا، رغم الموت الذي يريد أن يلحقه به تيمور. وسر نجاح التحول في هذه القصيدة هو توظيف مجموعة من الأساطير كأسطورة العنقاء والفنيق من جهة، واعتماد مهيار كرمز للإرادة. ولم يوفق حين كان التحول يتم بطريقة ميكانيكية فجائية كما في قصيدة “الأسماء” عندما يقول: «سأسمي اللهيب مطرا، وأسمي وجهك المغلق الدفين كوكبا». فلا ندري كيف يمكن للهيب أن يصير مطرا، ولا للوجه الدفين أن يصير كوكبا.


تكشف الدواوين الثلاثة لخليل حاوي رفضه لمبدأ التحوّل، ويقيم بدلا منه مبدأ المعاناة الذي يحضر كثيرا في مقدمات قصائده وفي شعره. وتظهر جلية معاناة الموت ومعاناة البعث على أشدهما في سائر قصائده على إيقاع من الأمل واليأس، بصور الخراب والدمار والجفاف والعقم… بداية من الديوان الأول “نهر الرماد”، ومرورا بالديوان الثاني “الناي والريح”، وانتهاءً بالديوان الأخير “بيادر الجوع”.

وإذا كانت تجربة خليل حاوي قد انتهت في آخر المطاف إلى اليأس من البعث، عبر معاناة فريدة للموت في “نهر الرماد”، وللتحول في “الناي والريح”، وللخيبة في “بيادر الجوع”. فانّ الناقد احمد المجاطي يرى فيها تجربة عظيمة، قائمة على التوافق بينها وبين حركة الواقع في حقبة من تاريخ الأمة العربية. وعلى قدرة الشاعر على تجاوز ذلك الواقع و تخطيه، وعلى معاينة ملامح الواقع المرعب الذي لم يخطر بعد برجم الغيب.


إنّ ما يميز تجربة بدر شاكر السياب في معاناته مع الموت والحياة، هو أن الموت عنده يأخذ طبيعة الفداء ويملك كل قدراته على بعث الحياة والانتصار لها. وتزداد طبيعة الفداء في الموت عمقا وشمولية حين تأخذ صيغتها الأسطورية، على نحو ما نجد في قصيدته “المسيح بعد الصلب”. حيث سيعمل بدر شاكر السياب على استثمار الإطار الأسطوري ليحول الموت إلى فداء، ويجعل من
الفداء ثمنا للموت.
إن إدراك السياب لجدلية الحياة والموت، بتحويل الموت إلى فداء، إدراك قديم؟ قد تكون له علاقة بمزاجه، أو التركيب الغريب لعقله الباطن. لكن الأمر المؤكد أنه عرف كيف يفيد من ذلك في تعقبه لمعاني الحياة والموت على مستوى الواقع الذاتي، والواقع الحضاري. وتلك إحدى الغايات التي وجد الشعر الحديث من اجل تحقيقها.


يؤكد الناقد على أن المتتبع لشعر البياتي قبل ديوانه “الذي يأتي و لا يأتي”، يقف على حقيقتين على حقيقتين متناقضتين:

  • الأولى: قدرته الهائلة على كشف طبيعة الانهيار والسقوط التي انتهى إليها الواقع العربي (يأس).
  • الثانية: سيطرة النزعة المتفائلة على المضمون العاطفي لتلك الأعمال (أمل).

ولتلمّس ذلك الإطار الفكري لجدلية الأمل واليأس، يصف لنا الناقد ثلاثة منحنيات في شعر البياتي كما يلي:

  • المنحنى الأول (منحنى الأمل): فيه انتصار ساحق للحياة على الموت. وتمثله الأعمال الشعرية السابقة على ”الذي يأتي ولا يأتي”، ولاسيما ”كلمات لا تموت”، و ”النار والكلمات” و ”سفر الفقر والثورة”.
  • المنحنى الثاني (منحنى الانتظار): تتكافأ فيه الكفتان (التساوي بين الحياة والموت). ويمثله ديوان ”الذي يأتي ولا يأتي”. وفيه يستعرض الناقد أربعة خطوط لمضامين هذا الديوان: خط الحياة وخط الموت، وخط الاستفهام، وخط الرجاء والتمني.
  • المنحنى الثالث (منحنى الشك): يتم فيه انتصار الموت على الحياة. ويمثله الديوان الشعري ”الموت في الحياة”.

ينتهي الكاتب في الخاتمة، إلى استخلاص آثار التجربة على الشاعر العربي أهمها:

  • اشتراك الشعراء في الإحساس بمعنى الحياة والموت.
  • حلول ذات الشاعر في ذات الجماعة كموقف موحد.

إلا أن عدم اهتمام المسؤولين بتنبؤات الشعراء كان وراء النكسة، رغم قيام الشاعر بالمهام المنوطة به في كشف الواقع واستشراف المستقبل.

إضافة إلى عوامل أخرى ساهمت في عجز الشاعر عن التواصل مع الجمهور منها:

  • عامل ديني وقومي: يتمثل في الخوف من هذه التجربة، وما قد تمثله من تطاول على التراث باسم الشعر.
  • عامل ثقافي: يتجلى في وقوف جماعة من الشعراء والنقاد في وجه كل ما هو جديد.
  • عامل سياسي: يكمُن في خوف الحكام من المضامين الثورية هذه التجربة، فعمدوا إلى المصادرة والمنع والسجن والنفي.

One thought on “ملخص الفصل الثالث PDF تجربة الحياة والموت – ظاهرة الشعر الحديث

  • غير معروف

    الله يعطيك الصحة

    Reply

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: هذا المحتوى محمي من النسخ !!