مؤلفات

تحليل مقطع حول القضايا المطروحة في رواية اللص والكلاب PDF – النموذج التطبيقي ⑥

ما هي أبرز القضايا التي عُنيت الرواية بطرحها ؟ وما مدى تأثيرها في سلوك البطل ومواقفه ؟ وكيف يربط الحلم علاقته بالسرد الروائي وواقع البطل ؟

“حلم بأنه يُجلد في السجن رغم حسن سلوکه، وصرخ بلا كبرياء وبلا مقاومة في ذات الوقت. وحلم بأنه عقب الجلد مباشرة سقوه حليباً، ورأى سناء الصغيرة تنهال بالسوط على رؤوف علوان في بئر السلم. وسمع قرآنا يُتلى فأيقن أن شخصا قد مات. ورأى نفسه في سيارة مطاردة عاجزة عن الانطلاق السريع لخلل طارئ في محرّكها واضطر إلى إطلاق النار في الجهات الأربع (…) ثم اندس في حلقة الذكر التي يتوسطها الشيخ علي الجيدي کي يغيب عن أعين مطارديه فأنكره الشيخ وسأله من أنت وكيف وُجدت بيننا فأجابه بأنه سعيد مهران ابن عم مهران مريده القديم وذكره بالنخلة والدوم والأيام الجميلة الماضية”.

“اللص والكلاب”: دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى، 2006، ص: 60-61.


  • قضايا الحرية والعدالة والانتماء … وأهميتها في توجيه سلوك البطل وعلاقاته.
  • سردية الحلم وأهمية توظيفه في الرواية، وعلاقته بالواقع الذي يعيشه البطل.

طرحت رواية “اللص والكلاب” لنجيب محفوظ مجموعة من القضايا المختلفة: السياسية، والاجتماعية، والفكرية، والأخلاقية … في إطار ما يعرفه المجتمع المصري والعربي ككل من تناقضات و تحولات مفصلية. كان لها بالغ الأثر في تحديد سلوك البطل (سعید مهران) وتوجيه علاقاته ومواقفه. كما كان للحلم أهمية كبرى على المستوى الفني والسردي للرواية نفسها. فضلا عن ارتباطه الوثيق بواقع بطلها (سعید مهران) وخصوصياته الذاتية.

فما هي أبرز القضايا التي عُنيت الرواية بطرحها ؟ وما مدى تأثيرها في سلوك البطل ومواقفه ؟ وكيف يربط الحلم علاقته بالسرد الروائي وواقع البطل ؟

تنبثق القضايا الأساسية للرواية، بكل ما يميزها من أبعاد فنية ورمزية، من الواقع الذي يعيش فيه البطل (سعید مهران). والعلاقات المختلفة التي تربطه بغيرها من الشخصيات الأخرى … وتبقى قضية الحرية من أبرز هذه القضايا التي عُنيت الرواية بطرحها على امتداد صفحاتها وتتابع أحداثها ووقائعها. فالهاجس المؤرق للبطل الذي خرج لحينه من غياهب السجن بعد قضائه “غدراً” لعقوبة سجنية مدتها أربع سنوات. والمطارد بسبب رغبته الملحة في الانتقام من غرمائه هو الخوف من السقوط في قبضة الشرطة والمخبرين. الذين يتعقبون أثره ويطاردونه حيثما حل وارتحل. والرغبة في الإفلات من تربص غرمائه به (رؤوف علوان مثلا). ومن ثمة تبقى حريته في كل الأحوال حرية ناقصة أو مؤجلة ومشروطة تكبحها مجموعة من القوانين والضوابط والقيود.

كما أن استشعار البطل للتفاوتات الاجتماعية الضاغطة. وافتقاد المجتمع لروح العدالة وضعفها بفعل استعباد الأغنياء ومن وَالَاهُمْ من زمرة الوصوليين والانتهازيين. لعموم المحرومين والمقهورين على مستويات عدة: سياسية، واقتصادية، واجتماعية… يؤكد أن مسألة الحرية تتجاوز ما هو فردي ومحدود إلى ما هو عام وجماعي. إذ لا تقف آثارها وامتداداتها عند حدود البطل (سعید مهران) بقدر ما تتعداه لتشمل المجتمع ككل. وتكشف عن مواطن عيوبه وتناقضاته.

وتحضر في الرواية، بالإضافة إلى قضيتي الحرية والعدالة سالفتي الذكر. قضية الانتماء والتنظيم على نحو مُلِحّ. فحاجة البطل إليهما تظل قائمة على المستوى العاطفي والأسري (تعلّقه الشديد بابنته سناء، وحبه الصريح والخفي لزوجته السابقة نبوية). والمستوى الروحي والديني (علاقته بالشيخ علي الجنيدي وزيارته لزاويته). وكذلك على المستوى الفكري والسياسي (صداقته السابقة للطالب رؤوف علوان والتزامه بتوجيهاته. ثم النقمة والتمرد عليه، والرغبة في تصفيته جسديا لما صار صحفيا انتهازيا قد تنكّر لمبادئه وحاد عن خطه الفكري السابق).

وإذا كان الوعي الذاتي والحلم الفردي لا يكفلان للبطل أن يحقق طموحاته في تغيير أحوال المجتمع. وإصلاح ما به من أعطاب ومفاسد ونواقص… فإنه يسمح له في الرواية -على الأقل- بالكشف عن تداعياته واستيهاماته الذاتية. وتدفق ما يكبته في دخيلته من مشاعر وأحاسيس خاصة. كالرغبة في استرجاع الماضي واستعادته دفء علاقاته الاجتماعية والإنسانية السابقة. التي جمعته بغيره من الشخصيات الأخرى (نبوية، عليش سدرة، نور، رؤوف علوان، الشيخ علي الجنيدي…). والحلم -كما هو الحال في هذا النموذج (نص الانطلاق)- تمهيد للسرد الروائي مثلما هو أيضا امتداد له. حيث يتوقف بالقارئ، ضمن سياق الرواية، عند عنصر “المطاردة” وتخفي البطل عن أنظار الشرطة والمخبرين. حتى يتمكن من الانتقام من غرمائه بعدما فشل في إحدى محاولاته. لما قتل -على سبيل الخطأ- الساكن الجديد (شعبان حسين) في بيت عليش سدرة إلى رحيله عنه.

ومن ثمة فـالحلم استراحة وفسحة للسرد الروائي. حيث يتسنى للرواية تحقيق بعض من حريتها والتخلص -ولو مؤقتا- من قيودها وضوابطها الفنية والأدبية. كما يسمح الحلم أيضا باستشراف النهاية المأساوية للبطل ولو من قبيل التلميح والإيحاء. والكشف من ثمة عن معاناته وتمزقه الذاتي عبر مستويات شتى: اجتماعية ونفسية وروحية. فالمستوى الاجتماعي يتجلى في ضياع البنت والزوجة والمال. والمستوى النفسي يتمثل في الفشل في الانتقام من الغرماء، والعجز عن الوصول إلى الطفلة (سناء) واسترجاعها. والمستوى الروحي يتمثل في الإحساس بالغربة والقلق والضياع في زاوية الشيخ (علي الجنيدي…).

وخلاصة القول، إن لقضايا الحرية والعدالة والانتماء والتنظيم… بالغ الحضور والأهمية في توجيه سلوك البطل (سعید مهران). وتحديد طبيعة العلاقات التي تربطه بغيره من الشخصيات في رواية “اللص والكلاب”. كما أن “الحلم” يسمح بالكشف في الرواية نفسها عن واقع هذا البطل والإعراب عن تداعياته واستيهاماته الخاصة. وتصوير إحباطاته ومعاناته الذاتية.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: هذا المحتوى محمي من النسخ !!