مؤلفات

تحليل قولة حول مظاهر الشكل الجديد عند شعراء التيار الذاتي PDF – النموذج التطبيقي ③

ما هي مظاهر التطور الفني الذي لحق شكل القصيدة عند شعراء التيار الذاتي الوجداني ؟ وما علاقة هذا الشكل بتجارب هؤلاء الشعراء ؟

“ظاهرة الشعر الحديث”: شركة النشر والتوزيع المدارس، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، 2007، ص: 36 (بتصرف).


  • ربط القولة بسياقها العام داخل المؤلف.
  • رصد مظاهر الشكل الجديد عند شعراء التيار الذاتي الوجداني على مستوى اللغة، والإيقاع، والصورة الشعرية.
  • الإشارة إلى مختلف الوسائل المنهجية والحجاجية والأسلوبية التي اعتمدها الناقد في مقاربة هذه التجربة.

في ظل التحول الذي اتجه بالـمضمون اتجاها وجدانيا صرفا، أتيح للقصيدة العربية الحديثة أن تعيد النظر في أشكالها وأدواتها الفنية. ذلك أن التطور في هذه القصيدة لـم يكن تطورا منفصلا، يتفاوت السعي فيه بين الشكل والـمضمون. بل كان تطورا متكاملا، يستمد حركته من مبدأ العودة إلى الذات. فقد أدرك الشاعر الوجداني أن كل تجربة جديدة لا تعبر عنها إلا لغة تستوحي صيغها التعبيرية. وصورها البيانية، وإيقاعاتها الـموسيقية من التجربة نفسها.

إذن، ما هي مظاهر التطور الفني الذي لحق شكل القصيدة عند شعراء التيار الذاتي الوجداني ؟ وما علاقة هذا الشكل بتجارب هؤلاء الشعراء ؟ وما هي الوسائل الـمنهجية والحجاجية والأسلوبية التي اعتمدها الناقد في مقاربة هذه التجربة ؟

إنّ الـمتأمل للقصيدة الشعرية عند أصحاب التيار الذاتي الوجداني، سيلاحظ أن التطور الذي لحق شكلها الفني. يتركز بالأساس في ثلاثة مكونات فنية هي: الصيغ التعبيرية، والصور البيانية، والإيقاعات الـموسيقية. وذلك ما أوضحه الـمجاطي في القسم الثاني من الفصل الأول من كتاب “ظاهرة الشعر الحديث.”

فبالنسبة للصيغ التعبيرية، يلاحظ أن لغة القصيدة الوجدانية أصبحت أقل صلابة من لغة القصيدة الإحيائية وأكثر سهولة ويسرا. غير أنه لابد من القول بأن مصطلح السهولة هنا، يتجاوز معنى اليسر، إلى الاقتراب من لغة الحديث الـمألوف. وفي هذا الصدد نجد العقاد يقترب بالشعر من لغة الحياة اليومية، فيديره مع “أصداء الشارع”، ويـمر به على “عسكري الـمرور”. ويضعه في فم الباعة الـمتجولين الذين اعتادوا إزعاجه كل صباح. أما إيليا أبو ماضي، فقد اتخذ عنده هذا القرب من لغة الحديث شکلا نثریا. تحللت به القصيدة من لغة الشعر الـمشرقة. وأصبحت حديثا مألوفا، كأي حديث يدور بين اثنين، في زاوية من زوايا الشارع.

وبالنسبة للصور البيانية، فقد استعملها الشاعر الوجداني لغاية نابعة من تجربته الذاتية. كأن يشرح بها عاطفة، أو يبيّن حالة. وبهذا أصبحت عنده وسيلة للتعبير عما تعجز عنه الأساليب اللغوية الـمباشرة. وليست زخارف وأصباغا تراد لذاها كما هو الشأن عند شعراء التيار الإحيائي. ومن خلال هذه العلاقة التي أقامها الشاعر الوجداني مع الصور الشعرية. تولدت خاصية أخرى من خصائص الشكل الفني في هذه القصيدة، وهي الوحدة العضوية. التي تجعل منها أجزاء متسلسلة وبناء متراصا ومنسجما.

أما بالنسبة للإيقاعات الـموسيقية، فقد عمل الشاعر الوجداني على تنويع القافية واختلاف الأوزان. وهو في كل ذلك يسعى إلى ربط القافية والوزن بالأفكار والعواطف الجزئية، وليس بـموضوع القصيدة بوصفه كلا موحدا. كما أن الأفكار والعواطف يـمكن أن تتبدل وتتلون وتتناقض. فمن الـمناسب كذلك أن تتغير القوافي وتختلف الأوزان بـما يناسب التبدل الطارئ على هذه الأفكار والعواطف. وبهذا عرف الشاعر الوجداني الحديث كيف يفرق بين الـموضوع الواحد، وبين العواطف والأحاسيس الجزئية. التي يتوقف تشخيصها على الاستعانة بإيقاعات موسيقية تقوم بالأساس على تنوع القافية واختلاف الأوزان.

وإذا كان الشكل الجديد يـمثل إضافة كمية ونوعية إلى الخصائص الفنية للشعر العربي الحديث. فإن الـمجاطي حرص على تقديم هذا الشكل إلى القاری باستعمال وسائل منهجية وحجاجية وأسلوبية مناسبة. فعلى الـمستوى الـمنهجي استعان الناقد بالـمنهجين: الاجتماعي والنفسي. حيث فسر بالأول سهولة اللغة في الشعر الوجداني، وذلك من خلال ربطها بالحياة اليومية للشاعر. أما الثاني فقد فسر به طبيعة الصورة وطبيعة الإيقاع في هذا الشعر. وذلك من خلال ربطها بنفسية الشاعر في أحاسيسها وانفعالاها الـمختلفة.

وعلى المستوى التفسيري والحجاجي، فقد اعتمد الناقد، لتوضيح أفكاره ومحاولة إقناع الـمتلقي بصحتها، مجموعة من الوسائل، نحددها كالتالي:

  • القياس الاستنباطي: وفيه انطلق الناقد من مبدأ عام، وهو “تطور الشكل الفني في القصيدة الوجدانية”. ثم انتقل للاستدلال على هذا التطور بنماذج شعرية لبعض شعراء التيار الذاتي الوجداني.
  • التمثيل: وفيه لجأ الناقد إلى تفسير الظاهرة بتقديم أمثلة عنها. ونجد هذا بالتحديد عندما يريد الناقد أن يثبت تطور الشكل الفني للشعر الوجداني. فيعمد إلى التمثيل لذلك بقصائد من هذا الشعر. وفي هذا يستحضر قصائد من ديوان “عابر سبيل” للعقاد، وقصیدتي “کن بلسما و”الـمجنون” لإيليا أبي ماضي. وقصيدتي “الوداع” و”العودة” لإبراهيم ناجي، وقصيدة “الخير والشر” لـميخائيل نعيمة.
  • الاستشهاد: وهو وسيلة يلجأ إليها الناقد لدعم موقفه، وذلك من خلال استحضار آراء بعض الشعراء والنقاد. کجبران خليل جبران في مقال بعنوان “لكم لغتكم ولي لغتي”، وشوقي ضيف في كتابه “البارودي”. وعبد الكريم الأشتر في كتابه “النثر الـمهجري”.
  • الـمقارنة: وهي وسيلة تفسيرية وحجاجية يلجأ إليها الناقد بالأساس لإبراز أوجه الاختلاف. بين التيار الذاتي الوجداني ونظيره الإحيائي التقليدي على مستوى الشكل الفني. فإذا كان هذا الشكل عند الإحيائيين يتميز بوجود لغة صلبة، وإيقاع ثابت، وصور بيانية غايتها التزيين والزخرفة. فإنه عند الرومانسيين يتميز بلغة سهلة وإيقاع متغير، وصور بيانية غايتها التعبير عن النفس في أحوالها وانفعالاتها الـمختلفة.

وفضلا عن الوسائل السابقة، يساهم الـمستوى الأسلوبي في تعزيز الجانب التفسيري والحجاجي في هذا الـموضوع. وذلك من خلال توظيف الناقد لغة تقريرية مباشرة تتميز بسهولة الألفاظ ووضوح الـمعاني. والهدف من ذلك تبسيط الأفكار، وتقريبها من إدراك الـمتلقي، حتى يتسنى له فهمها واستيعابها والاقتناع بصحتها. كما أن هذه اللغة تستمد معجمها النقدي من حقلين دلاليين هما: الحقل الأدبي والفني. (الصلابة – القصيدة الإحيائية – السهولة – الشكل النثري – الصيغ التعبيرية . الإيقاع الـموسيقي – الأساليب اللغوية – الزخارف والأصباغ – شعراء الرابطة القلمية . القصيدة الوجدانية – الوحدة العضوية – الشعراء الوجدانيون…). والحقل الوجداني (النفسي الهموم – التجارب – العواطف – الأحاسيس – الـمشاعر – الانفعالات – الوجدان…).

وخلاصة القول، إن دراسة الـمجاطي لهذا الـموضوع تـميزت بالطابع الشمولي الذي استحضر الشكل الفني في مكوناته الـمختلفة. كما تـميزت كذلك بالتكامل الذي يربط التصور النظري بالـممارسة التطبيقية. ويربط أيضا خصوصية الشكل بالأبعاد العاطفية والوجدانية للشاعر. أما طريقة الـمعالجة، فإنها طريقة علمية موضوعية من خلال سعيها إلى توظيف الوسائل الـمنهجية والحجاجية والأسلوبية الـمناسبة.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: هذا المحتوى محمي من النسخ !!