المسرحية – منهجية تحليل نص حكائي
مقدمة تحليل المسرحية
1- التأطير العام للنص
أي وضعه في سياقه التاريخي والثقافي والأدبي، وربطه بالشكل الأدبي الذي ينتمي إليه، والتعريف المختصر بذلك الشكل [ (المسرحية ؟ أين ومتى ظهرت ؟ كيف انتقلت إلى المشرق العربي، ومنه إلى المغرب (إن اقتضى الحال طبعا) ؟ من هم أبرز أعلامها ؟ (مع الانتهاء بصاحب النص المدروس) ].
2- التأطير الخاص للنص
أي ربطه بصاحبه، وبيان مدى أهميته ومساهمته في تأصيل الشكل الأدبي للنص أو تطويره.
3- الـملاحظة وطرح الإشكالية
أي ملاحظة مشيرات ترتبط بالنص من الخارج، أو من الداخل، واعتمادها منطلقا لطرح فرضيات القراءة. من قبيل: ما مضامين الحكاية في هذا النص ؟ وما الوسائل الفنية واللغوية المعتمدة للتعبير عنها ؟ وإلى أي حد استطاع الكاتب تجسيد أو تمثيل خصائص ومميزات الشكل الأدبي الذي ينتمي إليه النص ؟
عرض منهجية المسرحية
І- الأحداث
يحيل هذا المفهوم على مجموع الوقائع والأفعال التي تشكل نسيج الحكاية في النص. ويمكن مقاربته من خلال أحد هذين المستويين: التفكيك، والتركيب؛
أ) مستوى التفكيك:
يستدعي تفكيك الأحداث تناولها من خلال الجوانب التالية: جرد الأحداث – الحبكة – الرهان – دلالات الحدث وأبعاده.
1- جرد الأحداث
ويتعلق الأمر، هنا، بتحديد موضوع النص المسرحي، وما يتضمنه من وحدات حكائية، وذلك كالآتي:
- موضوع الحوار؛
- المشاهد الحوارية؛
2- الـحبكـة
وتُعنى بالكشف عن الكيفية التي انتظمت بها الأحداث والوقائع داخل النص. وبالنسبة للمسرحية، فإن بنيتها الحكائية تنتظم وفق “خطاطة هرمية”، وذلك كالتالي:

3- الـرهان في الـمسرحية
وهو الهدف المباشر (الصريح)، أو غير المباشر (الضمني) الذي يسعى النص إلى تحقيقه.
4- دلالات الـحدث وأبعاده
ويتم التعرف عليها، بإحالة النص على الظروف التاريخية والاجتماعية والنفسية التي نتج فيها.
ب) مستوى التركيب:
وهاهنا يتعين إنجاز “ملخص” لأحداث النص، وهو ما يعرف بتحديد “المتن الحكائي”. الذي يستدعي إعادة صياغة الأحداث وفقا لتعاقبها المنطقي والزمني، وعلى أساس تعلق اللاحق بالسابق، وبعيدا عن مقتضيات أو إكراهات الكتابة السردية وما قد يترتب عنها من “اختلالات زمنية” كـ الاسترجاع، أو الاستباق أو الحذف أو التلخيص… إلخ.
ІІ– الشخصيات
أ- جرد القوى الفاعلة، وتصنيفها بحسب طبيعتها وأهميتها، ورصد خصائصها، وأدوارها ومواقفها وعلاقاتها، ودلالاتها…
ب- تحديد الوظائف والعلاقات فيما يعرف بـ “النموذج العاملي”، وهو عبارة عن “بنية عميقة”. حيث يرى السيميائي الفرنسي غريماس (A. J. Greimas) أنها تتحكم في النص الحكائي بشكل عام. وتجعلنا نُوسع فهمنا لمصطلح “الشخصية الحكائية”، الذي كان يقتصر على الكائن الآدمي للدلالة على كل قوة فاعلة في المحكي. سواء أكانت بشراء أو حيوانا، أو جمادا، أوقوى طبيعية، أو مؤسسات، أو أفكارا، أوقيما، أو مشاعر، أورغبات… مما يعني أنه لم يُعد يُنظر إلى (الشخصية) باعتبار ماهيتها أي بما تحمله من خصائص وسمات فقط. وإنما من خلال ما تقوم به من “وظائف“، وما تنخرط فيه من “علاقات“.
1) الوظائف:
ويحصرها “غريماس” في ست هي:
- المرسل: وهو الذي يدفع البطل ويحفزه للقيام بمهمة أو عمل ما.
- المرسل إليه: وهو الذي يتجه إليه العمل المنجز.
- الذات: وتسمى أيضا (الفاعل)، وهو عادة “البطل” الذي يرغب في الحصول على شيء ما له قيمة بالنسبة إليه.
- الموضوع: وهو الشيء أو الطرف المرغوب فيه من قبل (الذات).
- المساعد: وهو الذي يؤازر (الذات) في مهمتها.
- المعارض: وهو الذي يعترض سبيل (الذات)، ويمنعها من الحصول على (موضوع) رغبتها.
2) العلاقات:
وتتمثل في ثلاث هي:
- علاقة التواصل: وتجمع بين المرسل والمرسل إليه.
- علاقة الرغبة: وتجمع بين الذات والموضوع.
- علاقة الصراع: وتحكم المساعد والمعارض.
ويمكننا تنظيم معطيات هذه البنية العاملية، وفق الترسيمة التالية:

ІІІ– الـمكان
ويمكن مقاربته من خلال استدعاء جملة معطيات كاشفة، أهمها:
- مظاهره: أي كل المؤشرات النصية المباشرة وغير المباشرة الدالة عليه.
- خصائصه: واقعي / متخيل – مغلق / مفتوح – محدود / ممتد – ضيق / شاسع – مدى مناسبته للحدث.
- وظائفه: المساهمة في تنامي الأحداث وتطورها – الإيهام بواقعيتها وإمكان حدوثها – الكشف عن المواقع الاجتماعية للشخصيات – نسج علاقات فيما بينها – توفير مجال حركتها وأفعالها.
- دلالاته: اجتماعية – نفسية – سياسية – ثقافية – تاريخية – جغرافية – دينية – أسطورية – رمزية.
- مشتملاته: بشر – حيوان – مظاهر طبيعية – أشياء متحركة – أشياء جامدة – ألوان – أضواء … وغيرها من محتويات الديكور.
- كيفية تصويره: تصوير بانورامي شامل – تصویر أفقي – تصوير عمودي – تصوير يركز على مجال محدد…
ІV– الـزمان في الـمسرحية
يُقارب هذا المكون بملامسة جوانب من قبيل:
- مظاهره: جرد كل المؤشرات النصية الدالة عليه.
- خصائصه: فزياني – فلكي – تاريخي – اجتماعي – نفسي – ديني – أسطوري – نحوي – مبهم …
- أنماطه: زمن الكتابة – زمن القراءة – زمن القصة – زمن السرد …
- نظامه: متسلسل – متقطع – استرجاعي – استباقي – صاعد – هابط …
- إيقاعه: سريع (بالحذف أو بالتلخيص) – بطيء (بالتمطيط في الوصف أو الحوار) – متطابق (تطابق بين زمن القصة وزمن السرد).
- وظائفه: القدرة على تأطير الحدث، وحركات وأفعال الشخصيات – الإيهام بواقعية الأحداث – التمييز بين الشخصيات والتأثير فيها…
- دلالاته: طبيعية – تاريخية – نفسية – اجتماعية – دينية – رمزية – تداولية…
V- الأسلوب
ونقصد به مجموع الإمكانات والطرائق اللغوية والفنية التي يوظفها الكاتب للتعبير عن “الحكاية” في النص. في هذا الصدد يفترض معالجة الأسلوب من خلال ما يأتي:
1) الـحوار الـمسرحـي
يمثل “الحوار” الأسلوب الأكثر هيمنة في النص المسرحي. وهو الكلام المتبادل بين شخصيات المسرحية، أو بين الشخصية الواحدة ونفسها.
ينقسم إلى قسمين: خارجي، وداخلي، ومن ثم وجب استخراج كل المشاهد والجمل الدالة عليهما في النص، وكذا إمكانية تحديد بعض الوظائف التي قد يضطلع بها هذا الحوار في المسرحية، ومن أبرزها:
- تطوير الحبكة المسرحية.
- شرح الوقائع وبيانها، وشد انتباه القارئ إليها.
- الكشف عن صور الشخصيات وبورتريهاتها.
- عكس الصراع فيما بينها.
2) الإرشادات الـمسرحية
هي تلك الإشارات التي قد تسبق الحوار أو تتخلله، والتي عادة – ما يضعها الكاتب بين قوسين ) ( ويتوجه بها إلى كل الأطراف التي ستشتغل على نصه من: (قراء، وممثلين ومصممين، وتقنيين وفنيين ومخرج من أجل أن يأخذوها بعين الاعتبار، أثناء عملية تحويل “النص” إلى “عرض مسرحي. وهذه الإرشادات الركحية وجب استخراج أمثلة عنها في النص، وتحديد بعض وظائفها التي تتمثل فيما يلي:
- تعيين أسماء الشخصيات وبعض أوصافها، وهيئاتها، وحركاتها، ومكان وجودها وزمان تحركها.
- تقديم الفضاء المكاني والزماني الذي يجري فيه الحوار.
- مساعدة القارئ على فهم وقائع المسرحية.
- مساعدة الممثل على تجسيدها في أقواله وسلوكاته.
- مساعدة المخرج على نقلها إلى مجال العرض المسرحي.
3) الصراع الدرامـي
وهو علاقة التصادم أو التعارض التي تربط بين الشخصيات في النص المسرحي، باعتبارها قوى اجتماعية، أو فكرية، أو سياسية متضاربة المصالح والدوافع والرغبات والغايات والمواقف… عندما يصل هذا الصراع إلى قمته وأوجه وذروته يمثل “عقدة” المسرحية. ولذلك تعتبر أبرز وظيفة يقوم بها هي أنه يحرك الحدث ويطوره باتجاه قمة التصعيد.
والصراع الدرامي ينقسم إلى قسمين: خارجي و داخلي. ومن ثم وجب استخراج ما يدل عليهما، أو على أي منهما في النص. كما أنه يتخذ عدة أشكال : نفسي، اجتماعي، ثقافي، أخلاقي… ومن ثم وجب أيضا التمثيل على أي شكل ورد منها في النص.
4) خصائص أسلوبية أخرى في الـمسرحية
وهي الخصائص التي تتميز بها “اللغة” في النص المسرحي. وهذه الخصائص نجملها كما يلي:
- لغة محملة بشحنات عاطفية وفكرية، تماما كما تكون لغة الحياة اليومية أو أكثر.
- لغة موحية بالواقع ، ولا تعكسه كما هو ، بل كما ينبغي أن يكون.
- لغة موضوعية أكثر منها ذاتية، لأنها صادرة عن شخصيات النص، وإن كان
- الكاتب وراء كل منها.
- لغة يتخللها انتقاء وحذف وبتر وفراغ وبياض.
- لغة موجزة ومختصرة توظف جملا قصيرة إلى متوسطة.
VІ– الـمغزى
ويتعلق الأمر، هنا، بمعالجة ثلاثة مطالب أساسية على الأكثر، وهي: (مقصدية الكاتب – البعد الاجتماعي – البعد النفسي).
1) مقصدية الكاتب
أي الغاية التي يرومها من وراء كتابته النص، والرسالة التي يتوخى إبلاغها للقارئ. وعادة ما تكون هذه المقصدية ذات طابع: إصلاحي (تربوي توعوي توجيهي)، أو تعبيري (التعبير عن الذات في بعديها الفكري أو الوجداني)، أو تأثيري التأثير في المتلقي.
2) تـحليل البعد الاجتماعي
أي استجلاء المعطيات الاجتماعية والتاريخية المضمنة في النص.
3) كشف البعد النفسي
أي إبراز ما يكتنف شخصية الكاتب من أحاسيس ومشاعر، ونزعات وميولات ومعطيات أخرى ذهنية أو أخلاقية، تنعكس في النص بشكل صريح أو ضمني.
خاتمة منهجية تحليل المسرحية
وتتضمن مهارتين أساسيتين هما: التركيب والتقويم؛
- التركيب: وفيه تَجمع وتُلخص نتائج التحليل؛ أي ما قيل باختصار شديد عن: الأحداث، والشخصيات، والمكان، والزمن، والأسلوب، ثم المغزى.
- التقويم: وفيه تصدر حكما قيميا أو رأيا شخصيا تخلص فيه إلى تأكيد مدى تمثيلية النص للشكل الحكائي الذي ينتمي إليه.
عيدكم مبارك وكل عام و الأمة الإسلامية بخير