تحليل مقطع حول قيمة الكراهية والحب في رواية اللص والكلاب PDF – النموذج التطبيقي ⑤
هل يمكن القول بأن الكراهية وحدها هي التي كانت تسيطر على نفسية سعيد مهران ؟ ألم يكن للحب مكان في قلبه ؟ وإذا كان يكره زوجته السابقة نبوية لأنها خانته، فهل يكره أيضا ابنته سناء التي أنكرته. ونور المرأة التي ساعدته بعد خروجه من السجن ؟
◄جاء في حوار بين نور وسعید مـهران في رواية “اللص والكلاب” لنجيب مـحفوظ ما يلـي:
“- أما أنت فلا قلب لك.
– حجزوه في السجن كما تقتضي التعليمات..
– أنت دخلت السجن بلا قلب..
– لم الإلحاح على حديث القلوب. إسألي الخائنة واسألي الكلاب، واسألي البنت التي أنكرتني”.
“اللص والكلاب”: دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى، 2006، ص: 53.
انطلق من هذا الحوار، واكتب موضوعا متكاملا، تـنجز فيه ما يلي:
- إبراز تجليات موضوعتي الحب والكراهية في الرواية.
- تحديد نوعية العلاقة التي جمعت بين سعيد مهران والمرأة.
مقدمة
يكشف لنا هذا المقطع الحواري، عن امتلاء نفسية البطل (سعید مهران) بالكراهية تجاه الآخرين. وذلك بفعل الظلم الذي تعرض له، وسنوات السجن التي قضاها بفعل خيانة مقربيه. وقد ورد هذا الحوار في الفصل السادس من الرواية، وتحديدا في تلك اللحظة التي التقى فيها نور. واحتالا على ابن صاحب مصنع الحلوى بسرقة نقوده وسيارته. قصد استعمال هذه الأخيرة في تنفيذ الجريمة التي كان سعید مهران ينوي ارتكابها (الانتقام من عليش ونبوية).
لكن، هل يمكن القول من خلال الحوار السابق بأن الكراهية وحدها هي التي كانت تسيطر على نفسية سعيد مهران ؟ ألم يكن للحب مكان في قلبه ؟ وإذا كان يكره زوجته السابقة نبوية لأنها خانته، فهل يكره أيضا ابنته سناء التي أنكرته. كما جاء في الحوار، ونور المرأة التي ساعدته بعد خروجه من السجن ؟
عرض
لقد شكلت الكراهية تيمة أساسية في الرواية، وهي ناجمة عن الحقد الذي تولد في نفسية البطل. بعد دخوله السجن بفعل تآمر كل من زوجته نبوية، وتابعه عليش، الذي وشی به عند البوليس. ومن هنا فهو يكره المرأة في شخص زوجته الخائنة، التي بات متشوقا للانتقام منها. يقول سعيد مهران في لحظة من لحظات غضبه: «لم تعد في ثقة في جنها كله…». كما أنه يكره عليش وعلوان، ويضع نصب عينيه لحظة الانتقام منهما. فعليش كان خادمه المطيع، يقتات من فتاته.
أما رؤوف علوان فهو أستاذه الذي علمه القيم والمبادئ، وها هو الآن يغير جلده ويتحالف مع الأعداء ضده. ويتنكر لكل القيم التي علمها إياه، وها هو يكتب في الصحافة عن الموضة وعن أشياء تافهة. ولا يهتم بالمشاكل التي يتخبط فيها المجتمع. لقد أصبح كل هؤلاء الأعداء يرتدون زيّاً واحدا منسوجا بالغدر والخيانة والانتهازية. «سأجد نبوية في ثياب رؤوف، أو رؤوف في ثياب نبوية أو عليش سدرة مكانهما» (ص: 37). ومن هنا كان هم سعید مهران هو الانتقام من هؤلاء الأعداء جميعا.
على أن هذه الكراهية يجب أن لا تحجب عنا الجانب المضي في نفسية سعيد مهران. فهو ليس بلا قلب كما قالت نور، بل في قلبه متسع للحب. وقد كان قبل السجن والحياة يحب هؤلاء الأعداء بدون حساب، وهو بعد خروجه من السجن ما زال يحب. فهو يحب الشيخ الجنيدي والمعلم طرزان، اللذين سانداه بعد خروجه من السجن. كما أن علاقته بالمرأة لم تكن مبنية على الكراهية وحدها، فهو يعبر في غير ما مرة عن حبه لابنته سناء. الأمل الوحيد الذي يضيء ظلام حياته، على الرغم من إنكارها له كما جاء في الحوار. وهو يحب بعمق صديقته نور، بل إنه يستحضرها في أحلك الفترات التي ستمر به. لحظة كان وشيكا أن يقع في يد البوليس، بعد المطاردة.
ولعل هذا المقطع من الرواية يغني عن كل تعليق: «نور أين أنت ؟ محال أن تكون بخير. هل قبض البوليس عليها ؟ … لن يرى نور مرة أخرى. وخنقه اليأس. ودهمه حزن شديد. لا لأنه سيفقد عما قريب مخبأه الآمن. ولكن لأنه فقد قلبا وعطفا وأنسا… ودلت حاله على أنها كانت أشد تغلغلا في نفسه مما تصور. وأنها كانت جزءا لا يصح أن يتجزأ من حياته الممزقة المترنحة فوق الهاوية. وأغمض عينيه في الظلام، واعترف اعترافا صامتا بأنه يحبها» (ص: 126).
وبهذا نكتشف أن علاقة سعيد مهران بالمرأة كانت متأرجحة بين الحب والكراهية. كراهية المرأة الخائنة، والرغبة في الانتقام منها. وحب المرأة الضعيفة المخلصة حبا متغلغلا في القلب، إلى درجة استحضار صورتها في أحلك اللحظات.
خاتمة
والخلاصة هي أن شخصية سعيد مهران لا تحمل في حقيقتها صفات سلبية. فعلى الرغم من ممارسته للصوصية، فإن هذه الممارسة كانت شريفة في عمقها. ما دام الهدف منها هو تحقيق العدالة الاجتماعية (سرقة الأغنياء قصد إعانة الضعفاء). وليست الكراهية إلا امتدادا لثورة سعيد مهران على الظلم والتسلط. أما الحب فهو جوهر نفسه، وهو یُكِنُّهُ لكل هؤلاء الفقراء والمظلومين، ومنهم نور والجنيدي وطرزان.